جُولْ مِيشْلِيه (Jules Michelet) ووَحيُ الثورة الفرنسية

شکّلت ثورة 1789 حدثا مُهِمًّا في تاريخ العالم، فلقد ساهمت في الانحدار العالمي للمَلکيات المُطْلَقَةِ واستبدالها بالجمهوريات، ووَسَّعَ بعض وثائقها المرکزية، مثل: "إعلان حقوق الفرد والمواطن" (1789) مَجَالَ حقوق الإنسان ليشمل المرأة والعبيد، ممّا وفَّرَ الإطار المرجعي لحرکات التّحرر والاقتراع العام في القرن العشرين. لقد غيّرت هذه الثورة المفاهيم السّياسية السّائدة؛ من ذلک "إقرارها النّهاية الفعلية للعصور الوسطى حين أطلقت رصاصة الرّحمة على النظام الإقطاعي، وإشعالها عَبْرَ حروب الثورة الفرنسية (1792 -1802) فتيل صراعات عالمية مسلّحة أعادت تشکيل الخريطة الجيوسياسية في العالم بأکمله، وبثُّها اللّيبرالية الرّاديکالية والقومية والاشتراکية ونصرتها المرأة والعلمانية من ضمن مفاهيم أخرى عديدة، وتأسيسها لصعود البورجوازية ونظام الحکم الدّيکتاتوري واعترافها بحقوق الطّبقة العاملة". لأجل کل ذلک، فما کان للعصر الحديث أن يرى النّور لولا الثورة الفرنسية التي نهلت من إرثها کل الثورات والحرکات اللاّحقة، فيما لازالت قِيَمُها ومؤسساتها تهيمن على السّياسة الفرنسية حتى اليوم. فجول ميشليه Jules Michelet (1874- 1798 (الذي وُلِدَ بُعَيْدَ الثورة الفرنسية واعتاد منذ صباه أن يرى فيها خلاص العالم أراد تدريسها للأجيال الجديدة کما توَسّمَهَا: کإنجيل للعدالة والسّلام، لِذا صاغ مؤلّفه: "تاريخ الثورة الفرنسية" "Histoire de la Révolution française" (1847 - 1853) في قالب قصيدة ملحمية من سبعة أجزاء بطلها الشّعب وهو مُجَسَّدٌ في دانتون Danton (1759-1794). نعم، فقليلة هي مقاطع هذا الکتاب التي لم يَطَلْهَا النّقد التّاريخي، إلاّ أنّ فُصُولاً من قبيل "السّيطرة على حصن الباستيل"، و"احتفال الاتحاد"، تبقى لها الجمالية الخالدة للإبداعات الأدبية الکبرى. ولربّما يظل هذا المؤرخ الوحيد ضمن مؤرّخي الثورة الفرنسية الذي تَغَنَّى بالحماسة السّاذجة والرّائعة والأمل اللاّنهائي الذي غَمَرَ فرنسا وأوربا سنة 1789. وتروم هذه المساهمة استجلاء بُعْدِ الوَحي الذي خَصَّ به ميشليه الثورة الفرنسية، وذلک وِفْقَ مقاربة نقدية تأويلية تَتَّبِعُ المنهج التاريخي وتعتمد أهم المصادر والمراجع في الموضوع.

الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
ياسين زينون، "جُولْ مِيشْلِيه (Jules Michelet) ووَحيُ الثورة الفرنسية".- دورية کان التاريخية.- السنة الرابعة عشرة- العدد الثاني والخمسون؛ يونيو 2021. ص 222 – 237.