صحفي محرر رئيس في مؤسسة الوحدة للصحافة والنشر والتوزيع، ومدير مکتب صحيفة تشرين بالحسکة - سوريا.
10.12816/0054928
المستخلص
الأزمة السورية لم توفر شيئًا لا البشر ولا الشجر ولا حتى الحجر. هذه الجملة يدرکها الجميع ويرددونها کلما تناقلت وسائل الإعلام أخبارًا عن حصول اعتداء على هذا الموقع الأثري أو ذاک في أنحاء الجمهورية العربية السورية. الأمر الذي يدفع للسؤال عن الفائدة المرجوة من الاعتداء على المواقع الأثرية التي هي في النهاية مجرد أحجار کما يقال. وبالمقابل نجد المعـتدي يـُظهـر نفسه أنه باعتدائه يدرک أهمية هذه الأحجار، وأنها ليست أحجارًا عادية إنما هي تحمل في طياتها تاريخ أمة وحضارة شعب. وبالتالي هذه الأحجار تروي حکايات عمرها آلاف السنين. ولهذا هـو يعـتدي عـليها من أجل محو الهوية الحضارية والثقافـية للشعـب السوري. والأنکى من الاعتداءات نفسها، التبريرات التي تـُقـَدّم لتلک الاعتداءات، هذه التبريرات التي تدفعک للاستفـراغ وطرح کل ما في جوفک للخارج، وذلک لأن کلمة مقززة هي أبسط وألطف وصف يمکن أن يـُطـلـَق على تلک التبريرات. فهل يـُعـقـَل على سبيل المثال أن هـناک أشخاصًا أو شعـوبًا في القرن الحادي والعـشرين يمکن أن تعـبـد الأصنام (التماثيل) حتى يجري الدم في عروق المجموعات المسلحة وتـنـتـفـض منتصرة للإسلام وتقوم بإعـمال المعاول والرفوش بالتماثيل والرسوم والأبنية والجدران لکي لا يعـبدها الناس (؟!). کالمواقع الأثرية التي دمرها ما يعرف بتنظيم داعش في مدينة تدمر بعـد سيطرته على المدينة، حيث فجر قوس النصر الأثري ومعبد بعل شمين الذي يعود تاريخه إلى ألفي عام مضت. ونفس الحکاية جرت في مواقع متعددة من العراق. فهل يـُعقل ذلک؟ ولاسيما في منطقة هي مهبط الأنبياء والرسل، والإيمان بالله الواحد الأحد راسخ في يقين شعـبها رسوخ الجبال. نعـود إلى ما بدأناه وهـو أن الآثار لم تسلم من تداعـيات الأزمة السورية. والاعـتداءات عـليها کانت متعمدة وممنهجة إدراکًا لقيمتها المعـنوية والمالية.