تتناول هذه الدراسة مواقف شاهدة للظاهر "بيبرس بن عبد الله الترکي الشرکسي" المملوک طفلاً لشاريه الأمير علاء الدين الصالحي البندقداري، وقد ظل إليه ينتسب، إلى أن حرَّره المالک الصالح نجم الدين أيوب، وجعله في خدمته بالقاهرة، بعد أن تفرَّس فيه النجابة والذکاء، ولم يُخيَّبْ ظنُّ نجم الدين به، فترعرع في سلک الجندية، إلى أن صار سيد السيف والعمران، کما تشهد له مواقفه خلال واحدة وخمسين سنة (625هـ/ 1228م - 676هـ/ 1277م) تنفَّس فيها أنسام الحياة. يُّعدُّ رکن الدين بيبرس العلالي البندقداري الصالحي النجمي الملقب بـ "أبي الفتوح"، سلطان مصر وبلاد الشام، خامس السلاطين في الدولة المملوکية البحرية، بعد شجرة الدر أرملة الصالح أيوب ت(648هـ)، وتورانشاه الذي ولي بعد وفاة أبيه 648هـ، وقد لمس تمکن سلطة المماليک وزوجة أبيه شجرة الدر، فسعي في عزلهم واستبدالهم برجال من خاصته، فأدرک خطره الظاهر بيبرس فقتله، ثم تولى الحکم بعده المعزُّ عز الدين أيبک المعظم، أحد الأتابکة (القائد العام للعساکر) وتزوَّج شجرة الدر، التي کانت تمثل الصفة الشرعية في الحکم، فثار جيش الشام بقيادة الناصر يوسف حفيد صلاح الدين الأيوبي من حلب، حيث کان واليها، مرورًا بدمشق، للانتقام من المماليک الذين قتلوا سيدهم، "توران شاه" الذي هزم ملک الفرنجة في معرکة المنصورة، وجهَّز سُفنا حملت أخشابها الجمال وبناها سفنًا حربية خفيفة على ضفة نهر النيل، فرع دمياط، فأسر بها سفنَ الفرنجة الحربية والإدارية، وأحدق المسلمون بجيوش "لويس التاسع" فاستسلم، مأسورًا، فأعاد لويس الأسير دمياط مرغمًا دون قيد أو شرط. أما عزُّ الدين أيبک فهزم جند الشام في معرکة "العباسة"، وتسلطن بعده المنصور نور الدين علي ابن الملک المعز أيبک، يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول، سنة (655هـ) خمس وخمسين وستمائة، وکان کثير اللهو، ولم يکن له التفات إلى تدبير المملکة، وکانت والدته تديِّر ملکه تدبير نساء، فرأى الأمير قطز أن الأمور تؤول إلى فساد، فخلا لقطز الجو، بذهاب الأمراء للصيد فاعتقله، وأرسله إلى سجن في دمياط، في برج السلسلة في وسط البحر، وکانت مدة حکمه سنتين وثمانية أشهر وثلاثة أيام ـ وتوفى سنة (655هـ)، والمظفر سيف الدين قطز قائد عين جالوت، وکان برفقته الظاهر بيبرس سنة (657هـ).
)
مشاهدة على SCiNiTO