حفريات الإناسة في الحضارة العربية الإسلامية

نوع المستند : الدراسات التاریخیة والأثریة والتراثیة

المؤلف

أستاذ التاريخ والحضارة – المرکز الجهوي لمهن التربية والتکوين – وجدة – المغرب.

المستخلص

توجد ثلاثة أبعاد للجدال الأنتروبولوجي الذي تتطرق له هذه الدراسة. أولاً، من المهم بسط الحدود المرجعية للمقتربات الغربية وتحدي تأثيرها على علم الإناسة المعاصر. ولکن، وبما أن الغربيين کثيرًا ما يعتبرون هذا العلم شکلاً من الفکر الأيديولوجي، عندها يصبح هدفنا الثاني هو معالجة العلاقة المبهمة بين المفاهيم الأنتروبولوجية والمفاهيم الغربية المقترنة بالاستعمار. وأخيرًا، وبسبب غياب تقليد متجانس للتحليل الأنتروبولوجي، فإن هذه الدراسة تهتم أيضًا بمهاجمة المفاهيم الغربية حول قضايا نشأة الإناسة، من منطلق تأثر بشکل واضح بالموضوعية المعرفية، کما تؤطرها إبستيمولوجيا العلوم. معروف أن أعمال النقد الذاتي شبه مفقودة في الأنتروبولوجيا. لذلک، وعندما نقول بأننا ننوي تحدي تأثير الفکر الغربي حول نشأة هذا العلم، فإننا لا نستثني مؤلفات المعاصرين من العرب والمسلمين، التي تحمل ندبات هذا الفکر، حيث خضعت بالتقليد، ودون إدراک، لقوام السوق الايديولوجي السائد. فهذه الدراسة، إذن، ليست مجرد تحليل نقدي للمقتربات الأنتروبولوجية الغربية فقط، ولکنها أيضًا عمل لإزالة الاستعمار الشخصي عن الفکر الأنتروبولوجي العربي، إلى حد کبير. إن الثقل الرئيس في نقاشنا، الجوهري، هو عدم کفاية الأساس النظري الأنتروبولوجي الغربي لدراسة حفريات هذا الحقل المعرفي. لأن مقترباته النظرية سيطر عليها التقليد الفرنسي لستراوس ومدرسته، من جهة، والمنطلقات التقليدية المرتبطة بالمؤسسات المحترفة البريطانية/برتشارد، من جهة ثانية. والبديل الرئيس لکل هذا التقليد، هو بناء "نقد ذاتي" للتحقيب المهيمن على علم الإناسة، لکن أي نقد؟
ارتکز أحد جوانب مقولتنا، في دراسة وهدم هذه المقتربات الغربية، على أنه من أجل تأسيس قاعدة مرضية لتحقيب معقول للإناسة، يجب تحقيق مهمة أولية، تتمثل في رفض التفسيرات الغائية الغربية، التي تحاول معالجة تاريخ الإناسة کسلسلة من المراحل التي تطورت بالغرب/المرکز، منذ النشأة الأولى/عصر الأنوار، وإلى وقتنا الراهن، وأن باقي المحيط، بما فيه العالم الإسلامي، لم يکن إلا مستهلکا لما أنتجه الفکر الغربي. وتحتاج عملية الرفض هذه أن نأخذ بعين الاعتبار ادعاءات ستراوس وبرتشارد المعرفية، وإقامة الدليل على بطلانها، وتبيان أنها مجرد تحليلات انتقائية لن تلبث أن تأخذ مکانها، وحجمها الحقيقي، ضمن مشروع إعادة التحقيب المرجوة. ولإعادة التأسيس هذه کان لا بد من أدلة ومن مستندات، وجدناها في الرجوع إلى التراث العربي الإسلامي، ونعني بالذات کتب الرحلات بجميع مستوياتها، فکان أن اهتدينا إلى مقاربة تصنيف جديدة، اعتمادًا على أرضية النقاش التي أعلنا عنها، في صدر إشکاليتنا العامة: أي استقصاء الدرس الأنتروبولوجي فيها. وهکذا صنفنا المادة الأنتروبولوجية فيها، وحددنا درجة ملامستها لهذا العلم، لننتهي إلى أنها غالبا لم تخرج عن مستوى المادة الإيتنوغرافية، باستثناء إعادة قراءتنا لابن بطوطة التي انتهت بنا إلى اکتشاف مذهل قوامه قوة ومتانة الدرس الأنتروبولوجي عنده، وبالتالي وجب أن يکون المنطلق الأساس لأي تحقيب أنتروبولوجي يزعم الدقة والموضوعية.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية