جملة من المعطيات سوف نستند عليها في مناقشتنا لمملکة ماري في الألف الثاني قبل الميلاد: أولها: أنه مع الولوج إلى عالم الألف الثاني قبل الميلاد، سوف نشهد مرحلة الحسم في ترجيح کفة الفاعلية الديمغرافية العمورية الکنعانية مقابل اضمحلال وذوبان الفاعلية السومرية في المتحد المشرقي الأتم. ويعتبر اضمحلال الفاعلية السياسية السومرية کناتج طبيعي للتطور في حرکة تاريخ المجتمعات المشرقية لصالح تکامل إشراطات انبثاق الفاعلية العمورية الکنعانية والتي کانت ومنذ ما قبل منتصف الألف الثالث تبرز وجودها، حتى تکامل مع مطلع الألف الثاني. ثانيها: أن الانتقال من عالم الألف الثالث إلى الألف الثاني قبل الميلاد، شهد انسياباً وتطوراً طبيعياً في مساق حرکة التاريخ المشرقي، فتّم انتقال الحکم من السلالات السومرية المتأخرة إلى السلالات العمورية الکنعانية ضمن استمرارية حضارية تطورية طبيعية. وکان هالدار قد أشار إلى أن الفاعلية العمورية أخذت بالتصاعد التدريجي منذ الألف الثالث وصولاً إلى تأسيسها للممالک العمورية الکنعانية مع مطلع الألف الثاني. مع الإشارة هنا إلى أن هذه الفاعليات الديمغرافية لا تُعبر عن هوية بقدر ما هي في مجموعها أرومات منبثقة عن جذر مشرقي واحد أساسه التمازج والتفاعل بين أروماته المختلفة. ومن هذا الجذر المشرقي من سکن السهوب والأودية وهم من أطلق عليهم اسم "العموريون" ومنهم من سکن المناطق العالية والمرتفعات بحيث أطلق عليهم اسم "الکنعانيون". إذن المسميات أساسها بيئي جغرافي وربما اعتقادي وليس إثنياً أو عنصرياً.
)
مشاهدة على SCiNiTO